ثنائية محمد صلاح وأمنية

مر الليل طويلا وهي تنتظر مكالمته وتعقد مع نفسها جلسات مصارحة وتسأل ما الذي يشدني إليه ؟! لم تكن تجد الإجابة الكافية لتساؤولاتها مما أوقعها بحيرة شديدة .
عبثا حاولت الإنشغال بشيء آخر يبعد تفكيرها عنه فجلست إلى التلفاز تقلب القنوات الإخبارية لأول مرة في حياتها وبدأت تتابع باهتمام أخبار الثورات في ربوع الوطن و ترى الدماء تلون الأرض بلون الحرية وتتساءل أين كنت من كل ذلك . تدخل والدتها الغرفة ثم تعلق بكلمات استهجان لم تكن تسمعها بقدر ما كانت تحاول مسح دمعها الذي تدحرج على وجنتيها وهي تداري حرجها كانت تستغرب ذلك الشعور الذي ينتابها في هذه اللحظات فهو مزيج من ثورة داخلية اشتعلت جراء ما رأت وما سمعته من هتاف الشعب الذي يؤكد تمسكه بحقه وشعور آخر قد يكون مفاجئة لها كما سيفاجئ كل من حولها لقد شعرت بهذه اللحظات أنها كبرت أعواما عديدة وأنها كانت في غيبوبة المتع التي شغلتها عن أمور هامة في حياتها وها هي تمسك دفترها الصغير وقد دونت عليه أهم ما تريد القيام به في خلال الأسبوع المقبل فتقرأه على مكث , السفر في نهاية الأسبوع إلى المصيف للمتعة وقضاء بعض الوقت مع قريباتها , ثم التسوق من مركز تجاري قد افتتح قريبا من بيتها.
ثم الذهاب إلى محل الخياطة لمتابعة فستان تخيطه لحفل خطوبة صديقتها والذهاب لدور السينما لحضور عرض جديد لفلم يعرض لأول مرة وقد دفعت ثمنا باهظا للتذكرة لنفاذ كمية التذاكر وقد كانت حريصة على أن لا يفوتها العرض الأول .
وتعرج في خيالها على صورة تلك الفتاة التيملأت صورها شاشات التلفاز وتسابق الإعلام للحديث عنها وقد دفعت حياتها لأجل مبدأ وغاية تخلدها وكل جيلها وتدخلها تاريخ الحضارة الحقة التي غابت عنها .
صحوة تنتابها تفصلها عن ما مضى من حياتها وها هو صوته يأتي وكأن عمرا مضى على لقاءهماوبصوت يحمل الدنيا في طياته
ألو دعاء:

- ألو دعاء.. ازيك عامله إيه..؟!
أجابته في لهفة:
- الحمد لله .. كويسه خالص..
بدا صوته مهموماً بعض الشئ ؛ حين سألها :
- قلت لماما على الندوة ..؟
أجابته في سعادة :
- أيوه قلتلها .. و كانت معصلجه خالص .. بس أنا قعدت اتلحى عليها .. لحد ما اقنعتها بالعافيه.. لدرجة أني كذبت عليها ..و قلتلها إن الندوه دي .. تبع الكليه .. و لازم احضرها.. علشان آخد درجات عاليه في الشفوي..
استشاط (أكرم ) غضباً , و قاطعها قائلاً بانفعال:
- هوا أنت متعوده على طول .. تكذبي كده على مامتك ..؟!
أسقط في يد (دعاء) , و لم تدر ماذا تقول . لكنها أجابته بصوت خافت , في خوف :
- أبداً و الله ..أنا خفت أحسن متوافقش أني أخرج بالليل لوحدي ..أو انها تعرف إني بروح ندوات سياسية ..لإنها محذراني.. أني مادخلش في أى حاجه له علاقة بالسياسة.. نهائياً ..خاصة اليومين دول..!!
حاول أن يتمالك أعصابه , و تصنع الهدوء قائلاً:
- برضوا دا مش سبب أنك تكذبي عليها .. و هيا من حقها طبعاً تخاف عليكي ..و لازم تصراحيها بكل حاجه..
أجابته صاغرة:
- حاضر..!!
هدأت ثورته أمام استجابتها . و سألها:
- أديني العنوان .. و عرفي ماما ..إني هأعدي عليك أخدك .. و نروح الندوة .. و هأبقى أوصلك تاني بالليل لما تخلص .. و كمان قوليلها .. إني بأستأذنها .. أطلع معاكي .. علشان اتعرف عليها .. و أتكلم معاها شويه..
لم تستطع (دعاء) كبح جماح السعادة التي غمرتها ؛ حتي أنها كادت تقفز من مكانها , و تصرخ من الفرح . فلم تقدر على الرد عليه لبعض الوقت ؛ حتى إنه أخذ يناديها لأكثر من مرة :
- ألو .. ألو ..دعاء ..ألو..
أجابته بعد برهة :
- أيوه .. يا أكرم..
..و كأنها تنطق أسمه للمرة الأولى . شعرت لأول مرة بتلك اللذة ؛ بطعم السكر عند طرف لسانها , و هي تنطق أحرفه , بذلك الشعور البديع الذي تحسه , و لا تدري كنهه..!! أيقنت أنها تحبه , تنتمي إليه , أنها جزء منه , فلم تكن تعرف للحياة معنى قبله , أنها تتمنى لو تعيش العمر كله في كنفه , و تحت حمايته .
.. جفلت فجأة من شرودها على صوته قائلة :
- أنا هستناك..
ثم أغلقت الخط , و هي تقول محدثة نفسها.. حتى آخر العمر..